فصل: بَابُ مَا يَضْمَنُ فِيهِ الْأَجِيرُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ مَا يَضْمَنُ فِيهِ الْأَجِيرُ:

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَجُلٌ سَلَّمَ إلَى قَصَّارٍ ثَوْبًا فَدَقَّهُ بِأَجْرٍ مُسَمًّى فَتَخَرَّقَ، أَوْ عَصَرَهُ فَتَخَرَّقَ، أَوْ جَعَلَ فِيهِ النُّورَةَ، أَوْ وَسَمَهُ فَاخْتَرَقَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ جِنَايَةِ يَدِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ ضَامِنٌ لِمَا جَنَتْ يَدُهُ فَإِنْ كَانَ أَجِيرُ الْمُشْتَرَكِ الْقَصَّارَ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لَهُ فَالضَّمَانُ عَلَى الْقَصَّارِ دُونَ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ لَهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِالْخِلَافِ وَلَمْ يُخَالِفْ، ثُمَّ عَمَلُهُ كَعَمَلِ الْأُسْتَاذِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْأُسْتَاذَ يُسْتَوْجَبُ بِهِ الْأَجْرُ فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ.
وَإِنْ هَلَكَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْقَصَّارِ، أَوْ سَرَقَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَقَدْ بَيَّنَّا.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ إذَا وَضَعَ الْقَصَّارُ السِّرَاجَ فِي الْحَانُوتِ فَاحْتَرَقَ بِهِ الثَّوْبُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَضْمَنُ بِهِ الْحَرْقُ الْغَالِبُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَلَا يَتَمَكَّنُ هُوَ مِنْ إطْفَائِهِ.
وَ.
(قَالَ) فِي الصَّبَّاغِ يَصْبُغُ الثَّوْبَ أَحْمَرَ فَيَقُولُ رَبُّ الثَّوْبِ أَمَرْتُكَ بِأَصْفَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِهِ وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ ثَوْبَهُ وَضَمِنَ لِلصَّبَّاغِ مَا زَادَ عَلَى الْعُصْفُرِ فِي ثَوْبِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ فِيمَا صَبَغَهُ بِهِ حِينَ لَمْ يَثْبُتْ إذْنُ صَاحِبِ الثَّوْبِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ صَبَغَهُ أَسْوَدَ فَاخْتَارَ أَخْذَ الثَّوْبِ لَمْ يَكُنْ لِلصَّبَّاغِ عَلَيْهِ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْغَصْبِ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَلَّاحِ إذَا أَخَذَ الْأَجْرَ فَإِنْ غَرِقَتْ السَّفِينَةُ مِنْ رِيحٍ، أَوْ مَوْجٍ، أَوْ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهَا أَوْ جَبَلٍ صَدَمَتْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَلَّاحِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ مِنْ عَمَلِهِ، وَإِنْ غَرِقَتْ مِنْ مَدِّهِ، أَوْ مُعَالَجَتِهِ أَوْ جَذْفِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ جِنَايَةِ يَدِهِ وَالْمَلَّاحُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَلَّاحِ الطَّعَامُ وَخُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّعَامِ فَنُقِضَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَلَّاحِ عِنْدَهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، وَإِنْ انْكَسَرَتْ السَّفِينَةُ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِيهَا فَأَسَدَهُ.
فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الْمَلَّاحِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الطَّعَامِ فِي السَّفِينَةِ أَوْ وَكِيلُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَلَّاحِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُخَالِفْ مَا أُمِرَ بِهِ وَيَصْنَعُ شَيْئًا مِمَّا يُتَعَمَّدُ فِيهِ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَالْعَمَلُ يَصِيرُ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَيَخْرُجُ مِنْ ضَمَانِ الْمَلَّاحِ بِخِلَافِ مَاذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الطَّعَامِ مَعَهُ فَالْعَمَلُ هُنَاكَ لَا يَصِيرُ مُسَلَّمًا وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ رَدَّ الْمَوْجُ السَّفِينَةَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي حُمِلَ الطَّعَامُ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّ الطَّعَامِ مَعَهُ فَلَا أَجْرَ لِلْمَلَّاحِ، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الطَّعَامِ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ فَلَهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِ مَا صَارَ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ قَدْ صَارَ مُسَلَّمًا بِنَفْسِهِ وَيُقَرَّرُ الْأَجْرُ بِحَبْسِهِ.
فَأَمَّا إذَا خَالَفَ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَهَذَا الْعَمَلُ لَا يَصِيرُ مُسَلَّمًا إلَى صَاحِبِ الطَّعَامِ بَلْ يَكُونُ الْعَامِلُ فِيهِ مُتَعَدِّيًا خَاصًّا فَيَكُونُ ضَامِنًا لِذَلِكَ.
وَإِذَا حَجَمَ الْحَجَّامُ بِأَجْرٍ، أَوْ بَزَغَ الْبَيْطَارُ، أَوْ حَقَنَ الْحَاقِنُ بِأَجْرٍ حُرًّا، أَوْ عَبْدًا بِأَمْرِهِ أَوْ بَطَّأَ قُرْحَهُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقَصَّارِ إذَا دَقَّ فَخَرَقَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ هُنَاكَ الْعَمَلُ السَّلِيمُ عَنْ الْعَيْبِ، وَذَلِكَ فِي مَقْدُورِ الْبَشَرِ يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالْعَقْدِ وَهُنَا الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ عَمَلٌ مَعْلُومٌ بِجِدِّهِ لَا عَمَلٌ غَيْرُ سَارِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي مَقْدُورِ الْبَشَرِ فَالْجُرْحُ فَتْحُ بَابِ الرُّوحِ وَالْبُرْءُ بَعْدَهُ بِقُوَّةِ الطَّبِيعَةِ عَلَى دَفْعِ أَثَرِ الْجِرَاحَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي مَقْدُورِ الْبَشَرِ فَلَا يَجُوزُ الْتِزَامُهُ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِي وُسْعِهِ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِجِدِّهِ، وَقَدْ أَتَى بِهِ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ لِمُجَاوَزَةِ الْحَدِّ أَوْ يَفْعَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَيَكُونُ ضَامِنًا حِينَئِذٍ، تَوْضِيحُ الْفَرْقِ أَنَّ السِّرَايَةَ لَا تَقْتَرِنُ بِالْجُرْحِ، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ بَعْدَهَا بِزَمَانِ ضَعْفِ الطَّبِيعَةِ عَنْ دَفْعِ أَثَرِ الْجِرَاحَةِ وَتَوَالِي الْآلَامِ عَلَى الْمَجْرُوحِ.
وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا إلَى صَاحِبِهِ وَيَخْرُجُ مِنْ ضَمَانِ الْعَمَلِ.
فَأَمَّا بِخِرَقِ الثَّوْبِ يَكُونُ مُقْتَرِنًا بِالدَّقِّ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْعَمَلُ مِنْ ضَمَانِ الْقَصَّارِ؛ فَلِهَذَا كَانَ ضَامِنًا لِمَا يَتْلَفُ بِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ مَضْمُونٌ بِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْبَدَلِ، وَلَوْ وَطْئًا الْأَجِيرُ الْخَاصُّ لِلْقَصَّارِ عَلَى الثَّوْبِ مِمَّا لَا يُوطَأُ عَلَيْهِ فِي دَقِّهِ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ مِنْ جِهَةِ الْأُسْتَاذِ فِي الْوَطْءِ عَلَى هَذَا الثَّوْبِ فَكَانَ مُتَعَدِّيًا فِيمَا صَنَعَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُوطَأُ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي الْوَطْءِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ كَفِعْلِ الْأُسْتَاذِ، وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ وَدِيعَةً عِنْدَ الْقَصَّارِ فَالْأَجِيرُ ضَامِنٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُوطَأُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي بَسْطِهِ وَالْوَطْءِ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْأُسْتَاذِ فَإِنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي الْعَمَلِ فِي بَيَانِ الْقِصَارَةِ دُونَ وَدَائِعِ النَّاسِ عِنْدَهُ.
وَلَوْ حَمَلَ الْإِنْسَانُ حِمْلًا فِي بَيْتِ الْقَصَّارِ مِنْ ثِيَابِ الْقِصَارَةِ فَعَثَرَ وَسَقَطَ فَتَخَرَّقَ بَعْضُهَا كَانَ ضَمَانُ ذَلِكَ عَلَى الْقَصَّارِ دُونَ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي هَذَا الْعَمَلِ مِنْ جِهَةِ الْأُسْتَاذِ وَلَوْ دَخَلَ بِنَارِ السِّرَاجِ بِأَمْرِ الْقَصَّارِ فَوَقَعَتْ شَرَارَةٌ عَلَى ثَوْبٍ مِنْ الْقِصَارَةِ، أَوْ وَقَعَ السِّرَاجُ مِنْ يَدِهِ فَأَصَابَ دُهْنُهُ ثَوْبًا مِنْ الْقِصَارَةِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُسْتَاذِ دُونَ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ مِنْ جِهَتِهِ فِي إدْخَالِ النَّارِ بِالسِّرَاجِ، وَكَذَلِكَ أَجِيرٌ لِرَجُلٍ يَخْدُمُهُ إنْ وَقَعَ مِنْ يَدِهِ شَيْءٌ فَتَكَسَّرَ وَأَفْسَدَ مَتَاعًا مِمَّا يَخْتَلِفُ فِي خِدْمَةِ صَاحِبِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِهَذِهِ الْأَعْمَالِ.
وَلَوْ أَنَّ غُلَامَ الْقَصَّارِ انْفَلَتَتْ مِنْهُ الْمِدَقَّةُ فِيمَا يَدُقُّ مِنْ الثِّيَابِ فَوَقَعَتْ عَلَى ثَوْبٍ مِنْ الْقِصَارَةِ فَخَرَقَتْهُ فَالضَّمَانُ عَلَى الْقَصَّارِ دُونَ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ مِنْ جِهَةِ الْأُسْتَاذِ فِي دَقِّ الثَّوْبَيْنِ جَمِيعًا، وَلَوْ وَقَعَ عَلَى ثَوْبِ إنْسَانٍ مِنْ غَيْرِ الْقِصَارَةِ كَانَ ضَمَانُ ذَلِكَ عَلَى الْغُلَامِ دُونَ الْقَصَّارِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي دَقِّ ذَلِكَ الثَّوْبِ فَيَكُونُ هُوَ جَانِيًا فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ، وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا وَتَعَذَّرَ الْخَطَأُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ ضَمَانُ الْمَحَلِّ، وَإِنْ وَقَعَتْ الْمِدَقَّةُ عَلَى مَوْضُوعِهَا، ثُمَّ وَقَعَتْ عَلَى شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهَا كَمَا لَوْ وَقَعَتْ عَلَى الْمَحَلِّ الْمَأْذُونِ فِيهِ صَارَ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا وَخَرَجَ مِنْ عُهْدَةِ الْأَجِيرِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الضَّمَانُ عَلَى الْأُسْتَاذِ، وَإِنْ أَصَابَ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ كَانَ الْغُلَامُ ضَامِنًا، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ الْجِنَايَةِ فِي بَنِي آدَمَ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَمْوَالِ فِيمَا سَبَقَ.
وَكَذَلِكَ لَوْ مَرَّ بِشَيْءٍ مِنْ مَتَاعِهِ فِيمَا يَحْمِلُهُ فَوَقَعَ عَلَى إنْسَانٍ فِي الْبَيْتِ فَقَتَلَهُ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْغُلَامِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِي بَنِي آدَمَ مُوجِبَةُ الْأَرْشِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْعَقْدِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَمْوَالِ، وَكَذَلِكَ إنْ انْكَسَرَ شَيْءٌ مِنْ أَدَوَاتِ الْقَصَّارِ بِعَمَلِ الْغُلَامِ مِمَّا يَدُقُّ بِهِ أَوْ يَدُقُّ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ مِنْ جِهَةِ الْأُسْتَاذِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَدُقُّ بِهِ وَلَا يُدَقُّ عَلَيْهِ فَهُوَ ضَامِنٌ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ دَعَا رَجُلٌ قَوْمًا إلَى مَنْزِلِهِ فَمَشَوْا عَلَى بِسَاطِهِ فَتَخَرَّقَ، أَوْ جَلَسُوا عَلَى وِسَادَةٍ فَتَخَرَّقَتْ، وَإِنْ كَانَ الضَّيْفُ مُتَقَلِّدًا سَيْفًا فَلَمَّا جَلَسَ شَقَّ السَّيْفُ بِسَاطًا أَوْ وِسَادَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيمَا فَعَلَ مِنْ الْمَشْيِ وَالْجُلُوسِ وَتَقَلُّدِ السَّيْفِ، وَلَوْ وَطِئَ عَلَى آنِيَةٍ مِنْ أَوَانِيهِ، أَوْ ثَوْبًا لَا يُبْسَطُ مِثْلُهُ وَلَا يُوطَأُ فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي الْوَطْءِ وَالْجُلُوسِ عَلَى مِثْلِهِ.
وَإِنْ حَمَلَ الْأَجِيرُ شَيْئًا فِي خِدْمَةِ أُسْتَاذِهِ فَسَقَطَ فَفَسَدَ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ سَقَطَ عَلَى وَدِيعَةٍ عِنْدَهُ فَأَفْسَدَهَا كَانَ ضَامِنًا لَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ عَثَرَ فَسَقَطَ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ بِسَاطًا أَوْ وِسَادَةً اسْتَعَارَهُ لِلْبَسْطِ فَلَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْبَيْتِ وَلَا عَلَى أَجِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي بَسْطِهِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ.
وَإِذَا جَفَّفَ الْقَصَّارُ ثَوْبًا عَلَى حَبْلٍ فَمَرَّتْ بِهِ حَمُولَةٌ فِي الطَّرِيقِ فَخَرَقَتْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْقَصَّارِ؛ لِأَنَّهُ مُتْلَفٌ لَا بِعَمَلِهِ وَالضَّمَانُ عَلَى سَائِقِ الْحَمُولَةِ؛ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ وَهُوَ مُتَعَدِّي فِي ذَلِكَ فَسَوْقُ الدَّابَّةِ فِي الطَّرِيقِ يَتَقَيَّدُ عَلَيْهِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ.
فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ كَانَ ضَامِنًا.
وَلَوْ تَكَارَى دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا خَمْسَةَ عَشَرَ مَخْتُومًا فَلَمَّا بَلَغَ الْمَقْصِدَ عَطِبَتْ الدَّابَّةُ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ كَامِلًا لِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِكَمَالِهِ وَهُوَ ضَامِنٌ ثُلُثَ قِيمَتِهَا بِقَدْرِ مَا زَادَ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْعَارِيَّةِ وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَايَةِ فِي بَنِي آدَمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَاكَ عَدَدُ الْجُنَاةِ فِي حَقِّ ضَمَانِ النَّفْسِ وَأُوضِحَ الْفَرْقُ بِمَا ذَكَرْنَا فَقَالَ لَوْ أَنَّ حَائِطًا مَائِلًا لِرَجُلٍ ثُلُثَاهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهُ يُقَدَّمُ إلَيْهِمَا فِيهِ فَوَقَعَ عَلَى رَجُلٍ فَجَرَحَهُ وَقَتَلَهُ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَلَوْ لَمْ يَجْرَحْهُ، وَلَكِنَّهُ قَتَلَهُ نَقْلُ الْحَائِطِ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ نَقْلَ مِلْكِ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ ضِعْفُ نَقْلِ مِلْكِ صَاحِبِ الثُّلُثِ، وَفِي الْجُرْحِ الْمُعْتَبَرِ أَصْلُ الْجِرَاحَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَارِجٌ لَهُ بِمِلْكِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْجَارِحِ بِيَدِهِ.
فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ يَضْمَنُ بِاعْتِبَارِ نَقْلِ الزِّيَادَةِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الشِّجَاجِ فِي الْعَبْدِ يَكُونُ ضَمَانُ النَّفْسِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْجُرْحِ لَا مِقْدَارِهِ وَعَدَدِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ فَضَرَبَ أَحَدَ عَشَرَ سَوْطًا فَهُوَ مُتَعَدِّي فِي السَّوْطِ الْحَادِيَ عَشَرَ فَيَضْمَنُ نُقْصَانَ ذَلِكَ الْعَبْدِ مِنْ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ وَنِصْفَ مَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ إذَا مَاتَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي ضَرْبِ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ عَامِلٌ لِصَاحِبِهِ بِأَمْرِهِ فَكَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ هَذَا بِنَفْسِهِ، وَقَدْ مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ السِّيَاطِ كُلِّهَا فَتَوَزَّعَ بَدَلُ نَفْسِهِ نِصْفَيْنِ بِاعْتِبَارِ عَدَدِ الْحَيَاةِ لَا عَدَدِ الْجِنَايَاتِ وَإِذَا سَلَّمَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ أَوْ أُمَّتَهُ إلَى مَكْتَبٍ، أَوْ عَمَلٍ آخَرَ فَضَرَبَهُ الْأُسْتَاذُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ بِإِذْنِهِ كَفِعْلِ الْمَوْلَى بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ تَعَدِّيًا مِنْهُ وَفِعْلُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ يَكُونُ تَعَدِّيًا مِنْهُ وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا ضَرَبَ الدَّابَّةَ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا ضَرْبًا مُعْتَادًا فَقَالَا الضَّرْبُ مُعْتَادٌ هُنَاكَ عِنْدَ السَّيْرِ مُتَعَارَفٌ فَيُجْعَلُ كَالْمَأْذُونِ فِيهِ وَهُنَا الضَّرْبُ عِنْدَ التَّعْلِيمِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَإِنَّمَا الضَّرْبُ عِنْدَ سُوءِ الْأَدَبِ يَكُونُ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ التَّعْلِيمِ فِي شَيْءٍ فَالْعَقْدُ الْمَعْقُودُ عَلَى التَّعْلِيمِ لَا يُثْبِتُ الْإِذْنَ فِي الضَّرْبِ؛ فَلِهَذَا يَكُونُ ضَامِنًا إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِيهِ نَصًّا، وَكَذَلِكَ إنْ سَلَّمَ ابْنَهُ فِي عَمَلٍ إلَى رَجُلٍ فَإِنْ ضَرَبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبِ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا، وَإِنْ ضَرَبَهُ بِإِذْنِ الْأَبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدِّي فِي ضَرْبِهِ بِإِذْنِ الْأَبِ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ هُوَ الَّذِي ضَرَبَهُ بِنَفْسِهِ فَمَاتَ كَانَ ضَامِنًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهُمَا يَدَّعِيَانِ الْمُنَاقَضَةَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَقُولَانِ إذَا كَانَ الْأُسْتَاذُ لَا يَضْمَنُ بِاعْتِبَارِ إذْنِ الْأَبِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْأَبُ ضَامِنًا إذَا ضَرَبَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ ضَرْبُ الْأُسْتَاذِ لِمَنْفَعَةِ الصَّبِيِّ لَا لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ يَأْذَنُ وَلِيُّهُ.
فَأَمَّا ضَرْبُ الْأَبِ إيَّاهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ بِغَيْرِ سُوءِ أَدَبِ وَلَدِهِ فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَضَرْبِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ لَمَّا كَانَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ يُقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ.
وَإِذَا تَوَهَّنَ رَاعِي الرَّمَكَةِ رَمَكَةً مِنْهَا فَوَقَعَ الْوَهْنُ فِي عُنُقِهَا فَجَذَبَهَا فَعَطِبَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنَايَةِ يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا أَمَرَهُ بِالتَّوَهُّنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ بِأَمْرِ صَاحِبِهَا كَفِعْلِ صَاحِبِهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّوَهُّنَ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الرَّاعِي فِي شَيْءٍ وَلَا يَدُلُّ فِي مُقَابَلَتِهِ فَلَا يَتَقَيَّدُ عَلَى الْمَأْمُورِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ بِخِلَافِ الدَّقِّ مِنْ الْقَصَّارِ.
وَلَوْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَخْتِنَ عَبْدَهُ، أَوْ ابْنَهُ فَأَخْطَأَ فَقَطَعَ الْحَشَفَةَ كَانَ ضَامِنًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ عَمَلَ الْخَتَّانِ مَعْلُومٌ بِمَحَلِّهِ.
فَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ كَانَ ضَامِنًا وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْكِتَابِ مَاذَا يَضْمَنُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي النَّوَادِرِ قَالَ إنْ بَرَأَ فَعَلَيْهِ كَمَالُ بَدَلِ نَفْسِهِ فَإِنْ مَاتَ فَعَلَيْهِ نِصْفُ بَدَلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَرَأَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ الْحَشَفَةِ وَهُوَ عُضْوٌ مَقْصُودٌ لَا يَتَأَتَّى لَهُ فِي الْبَدَنِ فَيَتَقَدَّرُ بَدَلُهُ بِبَدَلِ النَّفْسِ.
وَإِذَا مَاتَ فَقَدْ حَصَلَ تَلَفُ النَّفْسِ بِفِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا مَأْذُونٌ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْجِلْدَةِ وَالْآخَرُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْحَشَفَةِ فَكَانَ ضَامِنًا نِصْفَ بَدَلِ النَّفْسِ.
وَلَوْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَقْطَعَ أُصْبُعَهُ لِوَجَعٍ أَصَابَهُ فِيهَا فَقَطَعَهَا فَمَاتَ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْقَاطِعِ شَيْءٌ إلَّا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَإِنَّهُ يَقُولُ يَضْمَنُ الدِّيَةَ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِذْنَ صَحَّ هُنَا؛ لِأَنَّ لِلْآذِنِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَيَنْتَقِلُ عَمَلُ الْمَأْذُونِ إلَيْهِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ اُقْتُلْنِي فَالْإِذْنُ هُنَاكَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْآذِنَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَمَرَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ، أَوْ بِعَبْدٍ لَهُ فَهَذَا، وَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ.
وَلَوْ أَمَرَ حَجَّامًا لِيَقْطَعَ سِنًّا فَفَعَلَ فَقَالَ أَمَرْتُك أَنْ تُقْلِعَ سِنًّا غَيْرَ هَذَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَالْحَجَّامُ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ وَلَوْ أَنْكَرَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ.
فَكَذَلِكَ إذَا أَنْكَرَ الْإِذْنَ فِي السِّنِّ الَّذِي قَلَعَهُ وَلَوْ تَكَارَى دَابَّةً يَحْمِلُ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ فَجَعَلَ فِي جَوَالِقَ عِشْرِينَ مَخْتُومًا، ثُمَّ أَمَرَ رَبَّ الدَّابَّةِ فَكَانَ هُوَ الَّذِي وَضَعَهَا عَلَى الدَّابَّةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّابَّةِ هُوَ الْمُبَاشِرُ بِحَمْلِ الزِّيَادَةِ عَلَى دَابَّتِهِ وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَكِنَّ الْغُرُورَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ ضَمَانٍ لَا يَكُونُ مُثْبِتًا الرُّجُوعَ لِلْمَغْرُورِ عَلَى الْغَارِّ، وَإِنْ حَمَلَاهَا جَمِيعًا وَوَضَعَاهَا عَلَى الدَّابَّةِ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ رُبْعَ قِيمَةِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَحْمُولِ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ وَنِصْفَهُ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ وَفِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْحَمْلِ شَائِعٌ فِي النِّصْفَيْنِ فَبِاعْتِبَارِ النِّصْفِ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ لَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ وَبِاعْتِبَارِ النِّصْفِ الَّذِي حَمَلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي نِصْفِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِالنِّصْفِ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدِّي فِيهِ فَكَانَ ضَامِنًا رُبْعَ قِيمَتِهَا.
وَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ فِي عِدْلَيْنِ فَرَفَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِدْلًا فَوَضَعَاهُمَا جَمِيعًا عَلَى الدَّابَّةِ لَمْ يَضْمَنْ الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ اسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ حَمْلَ عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ، وَقَدْ حَمَلَ هَذَا الْمِقْدَارَ فَيُجْعَلُ حَمْلُهُ مِمَّا كَانَ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ وَالزِّيَادَةُ إنَّمَا حَمَلَهَا رَبُّ الدَّابَّةِ.
وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ لَوْ أَنَّ الْقَصَّارَ اسْتَعَانَ بِصَاحِبِ الثَّوْبِ حَتَّى دَقَّ الثَّوْبَ مَعَهُ فَتَخَرَّقَ وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيِّ الْفِعْلَيْنِ تَخَرَّقَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَصَّارُ ضَامِنٌ نِصْفَ الْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ الِاحْتِمَالِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ ضَامِنٌ جَمِيعَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ فِي يَدِهِ فَبِاعْتِبَارِ الْيَدِ هُوَ ضَامِنٌ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى صَاحِبِهِ سَوَاءٌ تَلِفَ بِعَمَلِهِ، أَوْ بِغَيْرِ عَمَلِهِ فَمَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ التَّلَفَ بِعَمَلِ صَاحِبِ الثَّوْبِ كَانَ الْقَصَّارُ ضَامِنًا وَإِذَا سَاقَ الرَّاعِي الْغَنَمَ، أَوْ الْبَقَرَ فَتَنَاطَحَتْ فَقَتَلَ بَعْضُهَا بَعْضًا، أَوْ وَطِئَ بَعْضُهَا بَعْضًا مِنْ سِيَاقَتِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُشْتَرَكٍ وَهِيَ لِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي السَّوْقِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأَجِيرَ الْخَاصَّ لَا يَكُونُ ضَامِنًا فِيمَا يَتْلَفُ بِعَمَلِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِقَوْمٍ شَتَّى فَهُوَ ضَامِنٌ مُشْتَرَكًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُشْتَرَكٍ أَمَّا الْمُشْتَرَكُ فَلِأَنَّ هَذَا مِنْ جِنَايَةِ يَدِهِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُشْتَرَكِ فَلِأَنَّهُ سَائِقُ الدَّابَّةِ الَّتِي وَطِئَتْ وَالسَّائِقُ ضَامِنٌ بِالسَّبَبِ وَكُلُّ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فَلَا أَجْرَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَضْمُونَ بِالضَّمَانِ فَلَا يَكُونُ مُسَلَّمًا إلَى صَاحِبِهِ.
وَإِذَا سَاقَ الرَّاعِي الْمَاشِيَةَ فَعَطِبَتْ وَاحِدَةٌ أَوْ وَقَعَتْ فِي نَهْرٍ فَعَطِبَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ وَالتَّلَفُ حَصَلَ بِعَمَلِهِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فَلَبِسَ مِنْ الثِّيَابِ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ حِينَ اسْتَأْجَرَهَا فَإِنْ لَبِسَ مِنْ ذَلِكَ مِثْلَ مَا يَلْبَسُ النَّاسُ إذَا رَكِبُوا لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَ بِقَدْرِ مَا زَادَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ.
وَإِنْ تَكَارَى نَاقَةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا امْرَأَةً فَوَلَدَتْ الْمَرْأَةُ فَحَمَلَهَا هِيَ وَوَلَدَهَا عَلَى النَّاقَةِ بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهَا فَعَطِبَتْ النَّاقَةُ فَهُوَ ضَامِنٌ بِحِسَابِ مَا زَادَ عَلَيْهَا لِلْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَقْصُودٌ بِالْحَمْلِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ وَهُوَ فِي مِقْدَارِهِ مُخَالِفٌ فَيُضْمَنُ بِحِسَابِ مَا يُخَالِفُ كَمَا لَوْ زَادَ مَتَاعًا مَعَهَا، وَلَوْ نَتَجَتْ النَّاقَةُ فَحَمَلَ وَلَدَ النَّاقَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ تَكَارَى بِغَيْرِ الْمُحْمَلِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ زَامِلَةً فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ فِيمَا صَنَعَ فَالزَّامِلَةُ أَضَرُّ بِالْبَعِيرِ مِنْ الْمُحْمَلِ، وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلًا مَكَانَ الْمُحْمَلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ فِعْلُهُ ذَلِكَ خِلَافًا، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي السَّرْجِ مَعَ الْإِكَافِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.